مساحة إعلانية

أَقدم الجامعات فى التاريخ نعم تكلم العلم بالعربية (5) بقلم ا.د. مها عامر

 

 


عندما يأتى ذكر أول الجامعات فى التاريخ تدور فى أذهاننا مجموعة من التساؤلات من مؤسسها ؟ وأين تقع ؟ وهل مازالت تعمل؟

اسمحوا لى أن نتعرف على أقدم وأول ثلاث جامعات فى التاريخ:

جامعة الزيتونه بتونس 737م.

جامعة القرويين بالمغرب 859م.

جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة 972م.

نعم كلها جامعات إسلامية ملحقه بمساجد.

نعم وضع المسلمون نظام التعليم العالى، و نظام للامتحانات والقبول، كما وضعوا الشهادات العلمية، ونظام المنح الدراسية.

نعم هناك تشابه بين التعليم المدرسى والتعليم الجامعى؛ فكلاهما ابتدأ من المسجد، كما أن كلمة جامعة مؤنث كلمة جامع.

 

وجدير بالذكر أن مدنا أخرى فى الأقاليم الشرقية من العالم الإسلامى أقامت فى القرنين التاسع والعاشر الميلادى دور علم عديدة، كبيت المعرفة.

 

ولبناء جامعة القرويين قصة متفردة، اسمح لى عزيزى القارئ أن نتعرف اليوم على قصتها.  أنشأت هذه الجامعة السيدة الزاهدة التقية "فاطمة بنت محمد الفهرية القرشية"، من مالها الخاص، بمدينة فاس بالمغرب، والتى تصنفها اليونسكو، وتؤكد بى بى سى أنها أول جامعة فى التاريخ تعمل حتى الآن، وأول جامعة تمنح إجازة فى الطب، وأول مؤسسة اخترعت الكراسى العلمية المتخصصة والدرجات العلمية فى العالم.

 فمن هى فاطمة بنت محمد الفهرية القرشية؟: هى إمرأة قيروانية مسلمة، لُقبت بأم البنين، تعود أصولها إلى ذرية عقبة بن نافع الفهرى القرشى فاتح تونس، ومؤسس مدينة القيروان. نزحت وهى فتاة صغيرة مع عائلتها وكثير من التونسيين، من مدينة القيروان إلى مدينة فاس المغربية. وتوفيت فاطمة حوالى سنة 880 م. 

وقد رأت فاطمة الفهرية الزاهدة التقية، أن تسثمر مالها وميراثها كله فى بناء مسجد، ومركز تعليمى يكون ذخراً لها بعد موتها وصلة بينها مع أهل الدنيا.

بدأت فاطمة بنت محمد الفهرية فى اتخاذ الخطوات الأولى بشراء أرض، بالقرب من منزلها بالقرويين ودفعت لصاحبها بسخاء. و عقدت العزم على ألا تأخذ ترابا أو مواد بناء من غير الأرض التى اشترتها بحر مالها، وطلبت من عمال البناء أن يحفروا حتى أعماق الأرض المزمع إقامة البناء عليها. فأخذوا يستخرجون من أعماقها الرمل، والأحجار، ليستخدموه فى البناء. وقد هدفت بذلك إلى عدم وجود أى شبهة تشوب مشروع تشييد البناء فى المسجد، ومع أول أيام البناء بدأت الصوم، ونذرت ألا تفطر يوماً حتى ينتهى العمل فيه. وجاء المسجد فسيح الأرجاء محكم البناء، فى أتم رونق وأزهى صورة وأجمل حال وبهاء.

لم تكتفِ فاطمة الفهرية بإنشاء جامع القرويين، لكنها أسست مكتبة ضخمة تابعة للمسجد وتقع فى حرمه. وبعد بناء المسجد، كانت محاضرات العلم تُلقى فى ساحته، حيث كانت المساجد مكاناً لتلقى العلم والدراسة. وقد أُعيد ترميم المكتبة وافتتاحها للجمهور عام  2016م، وتضم مكتبتها حوالى 4000 مخطوطة أصلية، وهى من أهم المكتبات فى العالم.

وبفضل اهتمامها واهتمام الحُكام من بعدها بهذا الجامع، تحولت مدينة فاس لعاصمة ثقافية علمية تنافس مدن مثل بغداد وقرطبة. و تُعدّ جامعة القرويين أقدم من جامعات أوروبا بمائتى عام تقريباً.

وتنوعت المواد التى يدرسها الطلاب فى تلك الجامعة، فكانوا يدرسون: القرآن، وعلوم الدين، والقانون، والبلاغة، وفنون النثر، والشعر، والكتابة، والمنطق، والحساب، والجغرافيا، والطب، والفلك، وقواعد اللغة، والتاريخ الإسلامى، ومبادئ الكيمياء، والرياضيات. مما جذب العلماء والطلبة من أنحاء العالم ، واضطرت الجامعة لإدخال اختبار صارم، مثلما تفعل الجامعات الأوروبية حالياً. وكانت الاختبارات تشمل حفظ القرآن كاملاً، وإحاطة حسنة بالمعارف عامة.

ولم تكن الجامعات التابعة للمساجد للطلبة المحليين فقط، بل تستقبل طلاب العلم من جميع أنحاء العالم. 

وقد تخرج من هذه الجامعة العديد من الأعلام المسلمين والغربيين، على سبيل المثال : سيلفستر الثانى (غربيرت دورياك) الذى شغل منصب البابا من 999: 1003م، و الفقيه المالكى أبو عمران الفاسى ،وموسى بن ميمون الطبيب والفيلسوف اليهودى، وابن البناء المراكشى، وابن رشيد السبتى وابن زهر، وزارها الشريف الإدريسى، وغيرهم الكثيرين.

ومن الجدير بالذكر أن الطلاب فى جامعة القرويين لايدفعون رسوم دراسية، بل يمنحون إعانات نقدية للطعام والسكن ( مثل نظام البعثات العالمى الحالى).

ولا نستطيع أن نُغفل الدور الاقتصادى الذى لعبته هذه المؤسسة الدينية والتعليمية؛ فلقد ذكر المؤرخ عبد الهادى التازى فى كتابه «جامع القرويين: المسجد والجامعة بمدينة فاس»، حيازة جامع القرويين لأوقاف جعلته مستقلاً مالياً عن خزينة الدولة لدرجة أن غدت ميزانيّته تنافس ميزانية الدولة.


 

و كان لهذه المؤسسة دورها السياسى إلى جانب دورها التربوى والعلمى؛ فلقد أشار علماء التاريخ الإسلامى إلى أنّ اتخاذ القرارات السياسية الحاسمة من بيعة وحرب وسِلْم كانت تخرج بتوقيعات علماء جامع القرويين.

وفى عهد ما يُسمّى الوصاية الفرنسية على المغرب سنة 1912م، كان جامع القرويين مركزاً للمقاومة ومعملاً يصنع أبطالها ومجاهديها؛ حتى قال عنها أحد دهاقنة الاحتلال الفرنسى (دهاقنة جمع دُهقان، وهو رئيس القرية أو الإقليم)، الجنرال «لوى هوبير كونزالف ليوتى» بعدما لقى من شدة بأس أهله وروّاده: «لا استقرار لنا فى المغرب إلا بالقضاء على هذا البيت المظلم».

 

وقد واكبت هذه الجامعة العريقة المد المعرفى المتنوع، والعلمى المنشود،عبر قرون ، ومازالت تنشر إشعاعها على العالم حتى الآن، وكونت أجيالا من العلماء الذين مازالت شهرتهم تشع فى الأفاق، ولا يزال عطاؤهم وإنتاجهم العلمى والفكرى قائما ينهل منه الباحثون جيلاً بعد جيل بفضل النبيلة العظيمة فاطمة الفهرية والتى لم تسع لتخليد إسمها بأى شكل. 

 

مما لاشك فيه أن المسجد فى مجتمعاتنا الإسلامية حظى بمكانة عظيمة، فكان النواة الأولى للمدرسة والجامعة، وحمل رسالة حضارية، جمع بين التوجه المادى فى العلوم المختلفة، والجانب الروحى، مما أسهم فى بناء الشخصية الإسلامية، وكون قلعة وحصناً حصيناً يحمى الحضارة الإسلامية، ومصدراً مشعاً بالحضارة على العالم. 

 

وانتهز هذه الفرصة لأوجه تحية إجلال وتقدير لأزهرنا الشريف وجامعته العريقة.

وبرغم تقدم الجامعات المصرية فى التصنيف الدولى للجامعات، إلا أن جامعاتنا مازالت تحتل مراكز متأخرة بين جامعات العالم. ومازلت جامعاتنا تلهث للحصول على الاعتماد الدولى.

. لك أن تتخيل شعورى عزيزى القارئ وأنا عضو هيئة تدريس أكتب عن هذا الموضوع، هل أطالب بالعودة للخلف؟ حقاً نحتاج إلى إعادة ربط فلسفة التعليم بالتنمية الشاملة، واعتماد ضوابط حقيقية.

 

عزيزى القارئ هل ترى أن هذه فقط هى أقدم جامعات  قدمتها  الحضارة الإسلامية للعالم، أم يوجد غيرها؟ وهل يجب أن يتبوأ بيت الحكمة مكانه بين تلك الجامعات؟  

يمكنك إثراؤنا بمعلوماتك القيمة من مراجع موثقة. 

 

والموضوع مفتوح للنقاش  لمن يرغب.

 

رابط مقال بيت الحكمة

https://www.facebook.com/161892417798496/posts/988922838428779/?app=fbl

 


شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: