مساحة إعلانية

الدين والانسان...بقلم | د. عاطف شكرى

 



كانت خطبة الجمعة اليوم والتي ألقاها فضيلة الشيخ مختار بارك الله فيه بعنوان "الدين والإنسان"...وبمجرد سماع العنوان تواردت إلى تفكيري تساؤلات كثيرة منها...لماذا هذا العنوان؟...هل المقصود به أن كل فضيلة يفعلها الإنسان بسبب أنه متدين؟...أم أن هناك من الفضائل ما يفعلها الإنسان بفطرته حتي لو كان غير متدينا؟...أم أن الدين يكون سببا في زيادة الفضائل الإنسانية ويحث عليها ويشجعك ويرغبك في إتيانها؟...وما لبثت قليلا حتي أتحفنا فضيلة الشيخ بالإجابة على كل هذه التساؤلات التي دارت في ذهني...

ثم فكرت في أن نجول بخواطرنا في العنوان..فما هي العلاقة بين الدين وبين الإنسان؟..إذن لازم نعرف مفهوم كل من الكلمتين "الدين والإنسان"...فالدين هو رسالة سماوية أرسل الله بها الرسل إلى الناس كافة مصداقا لقول الحق "ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَیۡثُ یَجۡعَلُ رِسَالَتَهُ" ويرسلها عندما ينتشر الكفر بالله والباطل والظلم والشرك ....إلخ ليخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة...وعلى الرغم من أن الدين كله من أصل واحد، بل هو دين واحد "الإسلام"..إلا أنه على مر العصور نزلت مناهج وشرائع لكل قوم لتعيد الناس إلى طريق الحق فمنهج سيدنا موسي غير منهج سيدنا عيسي غير منهج سيدنا محمد ﷺ مصداقا لقول الحق "لِكُلٍّۢ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا"...لماذا؟..لأن الله لم يشاء أن نكون أمة واحدة بمنهج واحد وشريعة واحدة لإختلاف الأزمنة لكل أمة مصداقا لقول الحق "وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً"...والهدف الثاني كي يختبرنا ونتسابق فيما بيننا فى الخيرات مصداقا لقوله "وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَىٰكُمْ ۖ فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَٰتِ "...ثم يطمئنا الله أننا راجعون إليه وسينبئنا بما كنا نختلف فيما بيننا ؟ مصداقا لقول الحق "إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"...

التساؤل الثاني هو لماذا ارتبط الدين بالإنسان؟...لأن باقي المخلوقات مثل الملائكة لا إختيار لهم فهم مسيرون يفعلون ما يأمرون، والجماد والدواب والنبات والشمس والقمر ...إلخ كل مسخر بأمر الله لطاعة الإنسان...فتجد الإنسان يحرق الخشب للحصول على الحرارة للتدفئة ولا يعصيه، ويشوي طعامه على حجارة بالنار ولا تعصيه..ويركب الدواب ولا تعصيه، ويتغذي بالنبات ولا يعصيه، ويذبح الحيوان والطير لطعامه ولا يعصيه..إلخ...إذن لابد من أن يرتبط بالدين من المخلوقات مخلوق له إختيار يفعل ولا يفعل وبالتالي يتحقق قول الحق في القرآن الكريم "وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَىٰكُمْ"...ويتحقق قوله سبحانه وتعالي "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ"...فالله قد فتن من قبلنا وعلم من كان منهم صادقا ومن كان كاذبا وهكذا نحن كما في قوله "وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ"...

وبهذا نكون قد توصلنا لماذا اقترن اسم الإنسان بالدين...وقد دلل فضيلة الشيخ على ذلك بقوله ما يلي: فرسول الله ﷺ قبل البعثة كان إنموذجا للإنسان الرائع في صدقه وأمانته وحديثة وتعامله وأدبه ....إلخ وضرب لنا فضيلة الشيخ قول أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها قولها للحبيب ﷺ عندما نزل عليه الناموس وقالت له ...كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ"...فكان ﷺ قبل البعثة صاحب قلب كبير وسع الناس برحمته وعطائه وبذله دون خشية من فقر، كان ﷺ ذو قلب نقي لم تتمكن من كبح جماح نبله أغلال الشح والأنانية والمكر، فجاد بالخير في السرّ والجهر، كما أن هذه النفس الزكية التي لم تنل منها سلطة المال، فأعطت بدون سؤال، ولم تقهر ولم تذلّ الرجال، فهل يمكن أن يخزيها  الله..هكذا استنتجت وتيقنت أمنا رضي الله عنها أن مثل هذا العبد الذي أشبع الجائع، وآوى الضائع، وسقى الظمئان، وأسعف الولهان، ومسح رأس اليتيم، وواسى المبتلى السقيم، كيف يخزيه الله؟ مستحيل..إنه إنسان اسمه محمد بن عبدالله ﷺ فما بالك بنفس الإنسان بعد البعثة... بالنسبة له لم يحدث تغيير كبير لأن تربيته هكذا على الرغم من أنه كان يتيما وتربي في بيت جده ثم عمه ثم بيت السيدة حليمة السعدية وأصبح بهذا الخلق الذي قالت عنه أم المؤمنين السيدة عائشة بعد بعثته "كان خلقه القرآن" وبالتالي قيل عنه أنه كان قرآنا يمشي على الأرض..إذن بنبوته أكمل مكارم الأخلاق مصداقا لقوله ﷺ " إنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخْلاقِ"...وأول ما اكتملت الأخلاق اكتملت في شخصيته هو فكان قدوة لنا قبل وبعد بعثته ﷺ...

ثم أوضح لنا فضيلته أنَّ دينَنَا الحنيفَ قد كرَّمَ الإنسانَ على إطلاقِ إنسانيتهِ، بغضِّ النظرِ عن لونهِ أو جنسهِ أو لغتهِ أو عرقهِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ"...ولم يقلْ سبحانَهُ كرًّمنَا المسلمينَ وحدَهُم، أو المؤمنينَ وحدَهُم، وكان نبيُّنَا ﷺ يقولُ "يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ"...هكذا يكون الدين لا يفرق بين من يعتنوقه ويكون التفاضل بينهم على أساس جهد كل منهم في تنفيذ وتفعيل منهج الله وشريعته..

ومِن القيمِ الإنسانيةِ التي شجعنا عليها الدين أيضا قيمةُ التراحمِ التي تعودُ بالنفعِ على المجتمعِ كلِّه، وفي ذلك تجسيدٌ لمبدأِ الأخوةِ الإنسانيةِ، بما يؤسسُ لمجتمعٍ مترابطٍ يقومُ على الحبِّ والعطاءِ بين من آمن وبين من لم يؤمن، لهذا يقولُ النبي ﷺ "ليسَ منَّا مَن لم يرحمْ صغيرَنَا ، ويُوَقِّرْ كبيرَنَا"...سواء كان مسلما أو غير مسلم..

نكتفي بهذا القدر ونلتقي إن شاء الله واللقاء الثالث في رحلة الحج، أترككم في رعاية الله وأمنه، وندعو الله أن يربي لنا ابنائنا ويهدي نفوسنا ويرحم أمواتنا...وشكر الله لفضيلة الشيخ..


كاتب المقال : أستاذ الفيروسات الزراعية المتفرغ - كلية الزراعة - جامعة عين شمس

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: