في احدي خطب الجمعة التي ألقاها فضيلة الشيخ مختار بارك الله فيه بعنوان "أهمية الإستثمارات في حياتنا"... بدأ فضيلته الخطبة بتفسير معني الإستثمار وببساطة قال أن معني الإستثمار هو أن تنفق على شيء ليدر عليك الربح والخير مستقبلا...وبمعني آخر ..الإستثمار هو تنمية المال للمساهمة في إعمار الأرض وليس كنز المال...والإستثمار ضمن المهمة الثانية للبشر بعد عبادة الله الواحد الأحد فقد خلق الله الإنسان لمهمتين اساسيتين لا ثالث لهما..الأولي هي عبادة الله مصداقا لقوله " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"...والثانية هي تعمير الأرض لأن الله قد استخلفه فيها وطلب منه أن يعمرها كما في قوله "هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"...ولكن قبل أن يطلب الله منا ذلك مهد لنا كل مقومات الإستثمار لنكون قادرين على إستعمار الأرض فنجده يقول لنا " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا "...ويقول لنا أيضا "وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ "..ثم يوضح الله لنا بأنه بنا رحيم ويشجعنا على استعمار الأرض بقول "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ"..بمعني بسيط...هيا أيها الإنسان شد حيلك فانظر فقد مهدت لك كل شيء في الأرض وفي السماء ولم يتبقي سوي أن تستثمر كل ما سخرته لك لنفعك أنت لأنه لا يعود على كإله أي شيء من استثماراتك في الأرض...فكل الفوائد ستكون عائدة لك ..وكان يمكن أن استثمرها أنا وأعطيك الناتج جاهز ولكني أحترم سعيك واجتهادك فتشعر بأنك الذي زرعت وأنتجت ولكن في الحقيقة أنا الذي أمرت كل شيء ليطيعك وسخرته لخدمتك...وفي هذا المقام ذكر لنا قصة جميلة عن الحبيب ﷺ ذهب رجل من الأنصار إلى رسول الله ﷺ وطلب منه المساعدة، فماذا فعل معه الحبيب ﷺ ..هل أعطاه مالا؟..هل أعطاه طعاما؟....لا بل سأله الرسول ﷺ وقال له " ألا يوجد في منزلك ما يمكنك الاستغناء عنه"...فقال له الرجل "هذا هو"...فأمسك به الحبيب ﷺ وقال من يشتري هذا...فقام أحد الصحابة وقال أنا يارسول الله ﷺ أشتريه بدرهم فنظر الرسول لأصحابة، ففطنت الصحابة لما يريده الحبيب ﷺ فقام آخر وقال أنا اشتريه بدرهمين...فأخذهما الحبيب ﷺ وأعطي الرجل درهم وقال له أشتري بهذا طعاما لأهلك وبالدرهم الثاني أشتري معولا واحتطب ولا أراك إلا بعد عشرة ايام...وبالفعل جاء الرجل بعد 10 أيام إلى الحبيب ﷺ فقال له يارسول الله ﷺ معي الآن 10 دراهم...ومن هنا نتعلم من حكمة الحبيب ﷺ كيف أنه علم الرجل الإستثمار ولا يسأل الناس... ويا سعد من يستثمر ماله في الحلال لأنه سيكون قد أصبح ضمن هؤلاء الذين قال عنهم الحبيب ﷺ في حديثه ﷺ"إِنَّ للهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، يُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ"...وأيضا هم ممن قال عنهم الحبيب ﷺ "إِنَّ للهِ عِنْدَ أَقْوَامٍ نِعَمًا أَقَرَّهَا عِنْدَهُمْ؛ مَا كَانُوا فِي حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَمَلُّوهُمْ"...فَهَذِهِ النِّعَمُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ عِنْدَ أَقْوَامٍ إِنَّمَا جعلَهَا مِنْ أَجْلِ أَنْ يَقْضُوا بِهَا حَوَائِجَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ اللهَ إِنَّمَا جَعَلَ تِلْكَ النِّعَمَ عِنْدَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَقْضُوا بِهَا حَوَائِجَ الْمُسْلِمِينَ"...ولكي يستطيع هؤلاء قضاء حوائج المسلمين عليهم أستثمار أموالهم...وقد أوصانا الله بالإستثمار حتي في أموال اليتامي حتي لا تأكلها الزكاة كما في حديث الحبيب ﷺ "ألا من ولى يتيما له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة"...لأن مال اليتيم كغيره من الأموال، إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة، فإذا لم يستثمر، وأخذت منه الزكاة كل عام، أدى ذلك إلى نقصه... كما ثبت هذا المعني من كلام سيدنا عمر رضي الله عنه " اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة"...
وللمستثمر صفات من أهمها إيثار المصلحة العامة على المصلحة الخاصة...عمل مشاريع لخلق المزيد من فرص العمل مما يكون سببا في انخفاض نسبة البطالة بين الشباب مما يجعل جرائم المخدرات وغيرها تنحدر، وأن يبتغي فعل الخير للمجتمع الذي يعيش فيه وبالتالي يكون من المفلحين مصداقا لقوله " وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"..فيظل ما ينفع الناس بالأرض مصداقا لقول الحق " وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ"...وأن يكون سمحا مصداقا لحديث الحبيب ﷺ " رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى"...
وأخيرا قال فضيلة الشيخ أن الإستثمار لا ينحصر في المال فقط ولكنه يمتد إلى الإستثمار في الذرية فهناك مقولة رائعة هي "إبني أبنك ولا تبني له وإستثمر فيه ولا تستثمر له"...بمعني أدخلو أولادكم أحسن المدارس وأحسن الجامعات، وعلموهم أحسن تعليم..وعلموهم اللغات المختلفة وإغرسوا فيهم أن النجاح في الحياة ليس بالضرورة أن يكون مرتبطا بالنجاح في المدرسة أو الجامعة فقط، فالله خلق لكل إنسان موهبة تختلف عن الأخر والمحظوظ هو من يكتشفها والشاطر الذي يعمل عليها، والناجح هو الذي يعمل بها...وأوصانا بأن أهم شيء في التربية والتعليم هو حفظ القرآن الكريم والتأسي بخلق الحبيب ﷺ، لأنهم إذا تربوا على غير ذلك فلن تنفعهم النقود وسوف يضيعوها فيما يغضب الله...
نكتفي بهذا القدر ونلتقي في اللقاء القادم إن شاء الله وما يرزقنا الله به من علم ينتفع به ...ندعو الله أن يرحم من سبقونا وأن يكتبهم ممن يرضي عنهم، وأن يحسن خاتمتنا ويلحقنا بهم قريبا يارب العالمين..فقد ضاقت صدورونا مما نري من نفاق وكذب وغش وسرقات وحب الدنيا..
دمتم في رعاية الله وأمنه.
اترك تعليقا: