مساحة إعلانية

الانسان والحمار...بقلم د. عاطف شكرى

 


من بعض المواقف الجميلة الرائعة التي صادفتها في القرية وحفرت في ذاكرتي:

الموقف الأول: أثناء سير المشيعين للجنازة فوجئت بأن هناك رجل دائما ما يقف في مكان قرب المقابر ولا يتحرك إلا بعد مرور جميع المشيعين فلما سألت لماذا يقف هذا الرجل هنا قالوا لي إن هناك حفرة لأحد بالوعات الصرف الصحي لا يوجد لها غطاء في هذا المكان، ودائما ما يقف هذا الرجل أو أحد من شباب القرية في هذا المكان لكي لا يقع أحد المشيعين من أهل القرية أو الضيوف فيها وخاصة أثناء الليل... شكر الله له..

الموقف الثاني الذي لفت نظري أيضا هو مدي حرص ناس الزمن الجميل على أداء الواجب مهما كلفهم الأمر..وبينما كنا نشيع جنازة أحد المتوفيين فإذا بي أجد رجل كبير السن قد يتعدي الـ 90 عام لا يستطيع الحركه ولكن حرصه على أداء واجب العزاء كان يركب حماره ويسير وسط المشيعين وبنفس رتم الحركة وبدون أي يضايق أحد، حتي أن حماره كان يتفاعل مع حركة الناس فإذا أسرعوا شوية يسرع وإذا مشوا ببطيء يسير مثلهم..وبعد أن تم الدفن ووقف أهل المتوفي ليأخذوا العزاء صار الرجل بحماره أمامهم وكان أهل المتوفي يقتربون منه ويشكروا له.

الموقف الثالث: أثناء جلوسنا أمام المنزل بعد العصر  سقطت زجاجة مياه من أحد الماره فملئت المياه بقعة من الأرض مما يجعل المار لا يستطيع أن يميز هل هي مياه بحفره أم مياه رش زائدة..فإذا بشاب يركب موتوسيكل يمر ويصر أن يسير من هذه المياه فيقع، وكنا ننبه خلي بالك ولكنه لم يلفت لكلامنا...وبعد 10 ق مر رجل على حماره فإذا بالحمار يقف قبل هذه المياه ولا يمر منها ثم ينحرف لليمين قليلا ويمر بعيدا عنها فانتبهنا جميعا وقلنا يا سلام الإنسان غامر وظن أنه قادر فوقع والحمار احترم ذكائه فنجي منها. 

وفي هذا المقام أتذكر من خواطر فضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله فقال ما معناه أن الناس تظلم الحمار عندما تسب إنسان آخر بكلمة "ياحمار"...فهل رأيتم حمارا يقتل أخاه "نادرا جدا" مثلما يفعل الإنسان بجاره وصديقه وأمه وأبيه ويقتل الآخر بدون حق...وهل رأيتم حمارا يمكر بحمار آخر ...هل رأيتم حمار يكذب وينافق ويسرق ويعتدي على حمار آخر كما نفعل نحن كثيرا...هل رأيتم حمار يعتدي على زوجة حمار آخر..مثلما يفعل بني آدم والذي نبهه الحق بقوله "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ"...ثم شرح لنا فضيلته رحمه الله أن الحمار إذا كان يسير في طريق ووجد حفرة بعرض الطريق لا يتخطاها من أول مره فإنه يقف ثم ينظر إليها وإذا ما تيقن من قدرته على المرور يأخذ خطوات للخلف ثم يحدد السرعة التي يجب أن يسير بها ثم يقفز فينجو ومن معه...وإذا قدر أنه لن يستطيع المرور فلن يتخطاها ولو ضربته حتي الصباح...ألم يسأل إنسان نفسه لماذا رفث "مخرجات " البهائم لا رائحة كريهه لها...لأنه يطبق ما قاله الحبيب ﷺ " نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع"..وقوله ﷺ "ما مَلَأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا من بطن، بِحَسْبِ ابن آدم أُكُلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَه،ُ فإن كان لا مَحَالةَ، فَثُلُثٌ لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لِنَفَسِهِ"...فالحيوانات تأكل بثلث البطن وتشرب للثلث والباقي للهواء فبالتالي يتم تمثيل الغذاء بالشكل الطبيعي ولا ينتج له رائحه كريهة...بينما الإنسان يأكل لثلثي بطنه ويشرب لقرب الثلث الأخير فلا يتبقي للهواء مكان فلا تكفي كمية الأكسجين لتمثيل الغذاء وبالتالي تصبح الظروف لا هوائية فلا تتحول المركبات إلى مكوناتها الأصلية فيحدث العفن والرائحة الكريهة التي لا نتحملها نحن...هل رأيتم حمار يجامع زوجته بعد أن تصبح حاملا ...ولا هي ستعطيه فرصة لأنها سترفسه حافظا على جنينها..وفي النهاية نقول أن عندنا شهوة بهيمية وهي ليست كذلك عندهم...صدق فضيلة الشيخ الشعراوي فقد ظلمنا الحمار...

نكتفي بهذا القدر ونلتقي وسلسلة الحج إن شاء الله في اللقاءات القادمة وندعو الله أن يرزقنا ومن سبقونا رضاه وجناته والنظر إلى وجهه الكريم..وأن نحاول أن نسترجع مباديء الزمن الجميل..زمن الحب بلا مصالح..زمن العطاء دون انتظار الرد...زمن حب الجار والخوف عليه وأهله...زمن التسامح..زمن الرضا والقناعة بالقليل...زمن تبادل الأطباق..زمن العطف واحترام الكبير....إلخ..دمتم في رعاية الله وأمنه..

د. عاطف شكري صادق

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا:

الاكتر شيوعا

المشاركات الشائعة

المشاركات الشائعة