من المواقف الرائعة في القرية التي تعلمت منها الكثير أنني قد تعاقدت على عمل معين مع أحد الأشخاص وكلما أسأل عنه أحد يثني عليه الناس كثيرا جدا، وليس هو فقط بل وأخيه أيضا..ويذكرون لي مدي شطارتهما وأمانتهما في عملهما، وقد إيه هو جدع جدا..وهذا قد أثار فضولي، وقررت أن أبحث عن سبب هذه السمعة الطيبة...فافتعلت حديث ودي معه لكي يفتح لي قلبه فقال لي بمجرد ما أرجع من عملي وأمدد شوية أقول للأولاد انزلوا تحت إذا عملوا هيصة...فسألته هو أنتم بتعيشوا معا في منزل واحد فقال نعم أنا وإخواتي الذكور نعيش في نفس المنزل كل واحد منا له دور خاص به، فسألته طيب من الذي ينزل عنده الأولاد فقال عند أمي وأبويا فبدأت أتلمس بداية البركة، فقلت له ومن يخدم أمك فقال بمليء فيه زوجاتنا الثلاثة، فسألته هو إنت ليس لك إخوة بنات يخدموها فقال نعم لي، ولكن زوجاتنا هم القائمين على خدمتهما وبالتنسيق فيما بينهما، وإخوتي البنات يأتون كزائرين...
ثم سألته وكيف حالكم مع الحاجة الكبيرة فقال لي: أنا إذا اشتريت أي فاكهة لا أشتري شنطتين أبدا بل أشتري شنطة واحدة وأضعها أمام أمي لتأخذ ما يكفيها واللي تشوفه عينيها ثم أخذ أنا الباقي لأولادي...فسألته طيب ما تشتري شنطة لك وأخري لها فقال لا.. فقد يوسوس لها الشيطان أنني أشتريت لأولادي شيء مميز عنها فهي الأصل...وهنا أدركت سر البركة اللي هم فيها وهو بالذات..وسألته وكيف حال الحاجة معكم فقال لي تعدل بيننا في كل شيء حتي في الدعاء والحب وتراضي الجميع..
فسألته هل لها دخل فقال نعم لنا أرض أخي مستأجرها يعطي إيجارها لها وأنا في نهاية كل أسبوع أعطي أمي اللي فيه النصيب دون أن تعلم يدي الشمال ماذا أعطت اليمين لأمي..فقلت الله الله...فسألته وماذا يعمل الوالد... فقال لي أنه أصيب بجلطة منذ 12 عام أدت إلى عدم قدرة الجانب الأيسر على الحركة ونحن الأخوة الذكور بالتناوب لا ينام أي منا إلا بعد أن يطمئن عليه ونلبي له ما يريد، حتي أننا خلال هذه السنوات نقضي له حاجته ونشيله وهو يشير إلينا ويبتسم لنا ويدعو بعينيه ورأسه لكل منا وإن كانا كلاهما يرتاحوا معي بدرجة أكثر شوية لأنني الأصغر وكنت في خدمتهم أثناء سفر إخوتي لسنوات..وهنا أدركت أن مثل هذه الأسرة لم ولن تضام أبدا...
فهذا الرجل الشهم سمع كلام الله عندما قال "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا "...فكان بارا بوالديه ومحسنا إليهما..وسمع كلام الله عندما قال "إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا"...فلم يترك خدمة أبويه لأحد من إخواته البنات وأزواجهن ولكن أصر الجميع أن يكونا عندهم كما قال الحق وليس عند أزواج إخواتهم..وأيضا سمع كلام الله عندما قال "وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا"...ففعل الرجل هذا الكلام وأصبح صاحبا لكلاهما فهو يتباسط معهما ويدخل عليهما السرور...وسمع كلام الله أيضا عندما قال "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"...فهو يتذلل لأبيه ولا يتأفف منه خلال الإثني عشرة عاما وحتي الآن وبالتالي يكون قد حقق وصية الله سبحانه وتعالي في قوله "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ" ولهذا نال هو وإخوته كل هذه المحبة والرضا من الناس..
شوفتم قد إيه تعلمت أنا منه وتمنيت أن كان لي أحد الأبوين أو كلاهما وأعيش تحت أقدامهما مهما أنفقت عليهما وإن كان على حساب أولادي فالخير فيهما وبهما لأن رضاهما من رضي الرب والبركة التي يمكن أن أعيش فيها من دعواتهما..
نكتفي بهذا القدر ونلتقي إن شاء الله في لقاء جديد وما يرزقنا الله به من علم ينتفع به...دمتم في رعاية الله وأمنه...
اترك تعليقا: