مساحة إعلانية

آذان سيدنا إبراهيم بالحج...إعجاز"..بقلم د. عاطف شكرى

 "


نلتقي اليوم واللقاء الثالث عن فريضة الحج والتي نعيش نحن في شهرها الثاني وهو ذي القعدة...ويمكن تلخيص ما سبق في معني الحج..وإلى أي بيت نحج، وما الفرق بين بيت الله الحرام وبين المسجد الحرام، ومن قام ببناء الكعبة المشرفة...وفي هذا اللقاء نجد أنه قبل أن يرفع سيدنا إبراهيم القواعد من البيت كان قد سبق له وأخذ سيدتنا وأمنا وفخرنا السيدة هاجر المصرية وابنها الرضيع سيدنا إسماعيل علية السلام إلى مكان ما في الصحراء..ألا وهو مكان بالقرب من بيت الله الحرام على الرغم من أنه لم يكن تم رفع قواعده بعد مصداقا لقول الحق "وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَٰهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ"...وترك زوجته وإبنها الرضيع في مكان لا زرع فيه ولا ماء واستودعهما الله واراد الرجوع إلى فلسطين، هنا تعلقت بثوبه زوجته السيدة هاجر  رضي الله عنها وقالت له إلى من تتركنا؟..إلى الذئاب تأكلنا أم إلى الحيات تلدغنا فأصر سيدنا إبراهيم على الرجوع فقالت له زوجته، ولنتعلم جميعا من هذا الموقف، قالت رضي الله عنها.. آلله أمرك بهذا قال سيدنا إبراهيم "نعم"..فقالت بيقين لا شك فيه "إذن الله لا يضيعنا".. وتركهما وهو يدعو الله بقوله "رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ"...

وفي هذا المقام أتذكر من خواطر أستاذي فضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته..قوله...لماذا قال سيدنا إبراهيم "بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ"...على الرغم من أن الماء أهم من الزرع...فاستطرد فضيلته قائلا أن الله يحب أن يتفكر عبده ويتدبر  فالزرع لا يمكن أن يتواجد إلا بوجود الماء، إذن "بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ" تعبر عن عدم وجود ماء من الأصل أيضا ..لأنه لو وجد الماء لدل على وجود حياه سابقة في هذا المكان وربما هجره أهله وانتقلوا لمكان آخر ، إذن "بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ" تعبر عن عدم وجود حياة تسبق سيدتنا هاجر وابنها الرضيع وبالتالي الموقف أصعب مما يتخيله العقل فإلي متي يمكن لهذا الطفل الرضيع أن يتحمل العطش، أخذا في الإعتبار أن والدته وأمه يمكنها تحمل فترة أكثر بكثير منه،..إذن أمر البحث عن المياه أولا سيكون شغلها الشاغل لأنهما معرضان للهلاك..ومن هنا تركت طفلها يبكي وأخذت تبحث عن الماء وهي على يقين لا شك فيه من أن الله لن يضيعهما كما أخبرت زوجها..وبعد أن أخذت بالأسباب وسعت بين جبلي الصفا والمروه ومع إنتهاء الشوط السابع سمعت صوت الماء بين أرجل طفلها الرضيع والذي جعل الله حركة رجليه الضعيفة سببا في أن تنبع الماء بينهما..حتي سيدنا إسماعيل عليه السلام أخذ بالأسباب..وأراد الله أن يعلمها ونحن معها أنه هو  بقدرته الذي يستطيع أن يرزق البشر من حيث لا يعلمون..وتحقق قول الحق "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"..فبتقوي سيدتنا هاجر وحسن تعاملها مع زوجها ويقينها بأن الله يراهم ولن يضيعهم جعل الله لها مخرجا..وأي مخرج..إنه للناس جميعا..ففي هذه المياه الشفاء من كل داء..رزقنا الله شربها وزيارة بيته الحرام...

وبعد فترة من الزمن جاء سيدنا ابراهيم إلى إبنه اسماعيل وكان قد شبّ وقال له أمرني ربي ببناء البيت الحرام فهيا للبناء وقاما معًا ورفع القواعد وبنى الجدران ولما علا البناء قال ابراهيم لاسماعيل آتني بحجر كبير لأقف عليه فجاءه بالحجر الأسود وجعله سقاله يرتفع به وينزل به حتى تم البناء وتحقق قول الحق "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" ثم قال الله يا ابراهيم أذن في الناس بالحج كما في قوله سبحانه وتعالى " وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍۢ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ"... أي أن الناس سيأتوك مسرعين مشاة على أقدامهم، ويأتوك راكبين على دوابهم المتعبة من السفر الطويل لأنهم سيأتوا إليك من كل مكان بعيد...فقال سيدنا إبراهيم عليه السلام يارب وما يبلغ صوتي قال الله أذن وعليّ الإبلاغ فصعد سيدنا ابراهيم جبل أبي قُبيس وصاح " أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا" أي يا أيها الناس ألا إن ربكم قد بنى بيتا وكتب عليكم الحج إلى البيت فأجيبوا ربكم...فأجابه كل من كان يحج من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات : لبيك اللهم لبيك.

وإذا تدبرنا في قول سيدنا إبراهيم "وما يبلغ صوتي"...وكأنه أحد علماء الفيزياء الذين يعرفون أن الصوت عبارة عن ترددات وأن تردد صوته ضعيف لا يسير عبر الأثير إلا لمسافة قصيرة جدا ولا يمكن أن يبلغ محيط هذا الجبل، ولكنه لم يكن يعلم أن الله الذي هو على كل شيء قدير...سوف يمنح صوته أعلى تردد يمكن أن يصل إليه صوت بحيث يصل إلى كل مكان في أرض المعموره فيسمعه الإنسان والدواب والطير والحجر والنبات وجميع الذرات في الأصلاب والأرحام، والأكثر من ذلك سيظل هذا الصوت في الأثير حتي يوم القيامة وبالفعل نحن نسمعه الآن في الإذاعة والتلفاز وفي غيره من وسائل الإعلام المختلفة..

نكتفي بهذا القدر ونلتقي إن شاء الله في اللقاء القادم وما يرزقنا الله به من علم ينتفع به عن الحج...دمتم في رعاية الله وأمنه...رزقنا الله جميعا حج بيت الله الحرام...

د. عاطف شكري صادق

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا:

الاكتر شيوعا

المشاركات الشائعة

المشاركات الشائعة